يمكنك التبرع باستخدام (أبل باي) باستخدام متصفح سفاري
مكة المكرمة
0555605437
عندما تقف للمرة الأولى في الحرم المكي الشريف وتشاهد ملايين المسلمين يطوفون حول بيت الله الحرام، ستلاحظ أن كثيراً منهم يمدون أيديهم ليلمسوا جزءاً معيناً من جدار الكعبة قبل وصولهم إلى الحجر الأسود مباشرة.
هذا المكان هو الركن اليماني، وهو أحد أهم أركان الكعبة المشرفة، لكن الكثير من المسلمين - حتى من الحجاج والمعتمرين - لا يعرفون حقيقة هذا الركن المبارك ولا فضله العظيم.
ربما تساءلت يوماً: لماذا يحرص المسلمون على لمس هذا الركن؟ وما الفرق بينه وبين الحجر الأسود؟ وهل صحيح أن لمسه يمحو الخطايا كما يقال؟ وما الطريقة الصحيحة للتعامل معه أثناء الطواف؟
كل هذه الأسئلة وأكثر ستجد إجاباتها الشافية في هذا المقال، حيث سنأخذك في رحلة معرفية شاملة لتتعرف على أسرار الركن اليماني وتفهم مكانته الحقيقية في الإسلام، مدعومة بالأدلة الشرعية وأقوال العلماء المعتبرين.
تبرع لمشروع الصدقة اليومية لسقيا وإفطار ضيوف الرحمن
الركن اليماني هو أحد أركان الكعبة المشرفة الأربعة، يقف شامخاً في الجهة الجنوبية الغربية من بيت الله الحرام، هذا الركن المبارك يحمل في طياته تاريخاً عريقاً يمتد لآلاف السنين، فهو جزء من الأساس الذي وضعه سيدنا إبراهيم عليه السلام بأمر من الله تعالى.
الركن اليماني هو الركن الذي يسبق الحجر الأسود مباشرة عند الطواف، فعندما تطوف حول الكعبة المشرفة، ستجده على يسارك قبل أن تصل إلى نقطة بداية الشوط الجديد عند الحجر الأسود، هذا الموقع الاستراتيجي يجعله محطة مهمة في رحلة الطواف الروحانية.
يقع بين الركن الغربي والركن الجنوبي، ويتميز بكونه أحد الركنين اللذين لم يتغيرا منذ عهد إبراهيم عليه السلام، مما يضفي عليه قدسية خاصة ومكانة روحانية عظيمة.
من السنة المؤكدة استلام الركن اليماني باليد اليمنى إن تيسر ذلك، دون تقبيل أو إشارة كما يحدث مع الحجر الأسود، هذا التمييز في الطقوس يعكس الحكمة النبوية في التعامل مع مختلف أجزاء الكعبة المشرفة.
إذا لم يستطع الحاج أو المعتمر لمس الركن بسبب الزحام، فلا يُشرع له الإشارة إليه، بل يكتفي بالمرور دون فعل شيء، وهذا من يسر الإسلام ومراعاته لأحوال الناس المختلفة.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: "رأيت النبي ﷺ يستلم الركنين اليمانيين في الطواف" رواه البخاري ومسلم. والمقصود بالركنين هنا: الحجر الأسود والركن اليماني، لأنهما الوحيدان اللذان لا يزالان على أساس إبراهيم عليه السلام.
سُمِّي الركن اليماني بهذا الاسم لسبب جغرافي بسيط وواضح، فهو يقع في الجهة التي تواجه بلاد اليمن بالنسبة للكعبة المشرفة، هذه التسمية تتبع نظاماً واضحاً في تسمية أركان الكعبة الأربعة حسب الجهات الجغرافية.
الكعبة المشرفة لها أربعة أركان، كل ركن يحمل اسماً مرتبطاً بالجهة الجغرافية التي يواجهها:
الركن الأسود: يحتوي على الحجر الأسود المبارك
الركن العراقي: يواجه جهة العراق
الركن الشامي: يتجه نحو بلاد الشام
الركن اليماني: يقابل جهة اليمن
هذا النظام في التسمية يعكس الحكمة العربية في ربط المعالم المقدسة بالجغرافيا المحيطة، مما يسهل على الحجاج والمعتمرين التعرف على مواقع هذه الأركان المباركة.
الركن اليماني يقع بدقة في الجهة الجنوبية الغربية من الكعبة المشرفة، وهو موقع استراتيجي يجعله محطة مهمة في رحلة الطواف. عندما تطوف حول بيت الله الحرام، ستجد هذا الركن المبارك على يسارك قبل وصولك إلى الحجر الأسود مباشرة.
لفهم موقع الركن اليماني بشكل أوضح، إليك ترتيب الأركان كما تمر بها أثناء الطواف (عكس عقارب الساعة):
الركن الأسود: نقطة بداية الطواف (يحتوي على الحجر الأسود)
الركن الشامي: أول ركن تمر به في اتجاه الطواف
الركن الغربي (العراقي): الركن الثالث في مسار الطواف
الركن اليماني: آخر ركن قبل العودة إلى نقطة البداية
هذا الترتيب يجعل الركن اليماني بمثابة المحطة الأخيرة قبل إتمام الشوط، مما يضفي عليه أهمية خاصة في التجربة الروحانية للطواف.
يحمل الركن اليماني فضلاً عظيماً ومكانة خاصة في الإسلام، فقد وردت عن النبي ﷺ أحاديث صحيحة تؤكد على عظيم أجر لمسه واستلامه لمن فعله تعظيمًا لشعائر الله واتباعًا لسنة نبيه ﷺ.
قال النبي ﷺ: "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً"، رواه الإمام أحمد عن ابن عمر، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
والمقصود بـ"يحطان الخطايا" أي: يمحوان الذنوب كما تسقط الورقة اليابسة عن الشجرة، لكن لا يُفهم من ذلك أن مجرد اللمس كافٍ للمغفرة، بل يُشترط إخلاص النية وتعظيم الشعيرة، واتباع سنة النبي ﷺ في الطواف.
وكان من هديه ﷺ أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: «ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار»
[رواه أبو داود، وصححه الألباني].
فمن استلم الركن اليماني بنيّة صادقة وتعظيمًا لشعائر الله واتباعًا لسنة النبي ﷺ، فليبشر بالأجر العظيم والمغفرة كما وعد النبي ﷺ في الحديث الصحيح.
جميع المذاهب الفقهية الأربعة متفقة على فضل الركن اليماني وأهمية استلامه:
المذهب الحنفي: يؤكد أن مسح الركن واجب عند الطواف لأنه من هدي النبي ﷺ، ويُمسح باليد لتحقيق الفضل المطلوب.
المذهب المالكي: يرى أن مسح الركن اليماني والحجر الأسود واجب في كل شوط، فهو سبب مباشر لمحو الذنوب والخطايا.
المذهب الشافعي: يتفق على أن استلام الركن سنة مؤكدة، مستندين للنصوص الشرعية الثابتة في هذا الأمر.
المذهب الحنبلي: يصرح بأن مسح هذا الركن سنة ثابتة، وذكره في كتب الحديث معتبر وموثق.
الشيخ ابن باز رحمه الله أفتى بأن الطائف يشرع له استلام الركن اليماني بيده دون تقبيل أو تكبير، مع تلاوة الدعاء المشهور بينه وبين الحجر الأسود.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أكد على جواز استلام الركن دون تقبيل أو إشارة، والإتيان بذلك في كل شوط طواف تحقيقاً للسنة وحصولاً على الفضل.
إن الحكمة من لمس الركن اليماني أثناء الطواف تتجاوز كونها مجرد طقس ديني، بل تمثل رحلة روحانية عميقة تطهر النفس وتقرب العبد من خالقه. هذا العمل البسيط يحمل في طياته معانٍ عظيمة وحكماً بالغة.
الحكمة الأساسية من لمس الركن اليماني تكمن في قدرته العجيبة على محو الخطايا، كما أخبرنا النبي ﷺ في حديثه الشريف،"أخبر النبي ﷺ أن مسح الركن اليماني سبب في حط الخطايا، إذا اقترن بإخلاص النية واتباع هديه الشريف، وهو من شعائر الله التي يُرجى بها الخير العظيم.
عندما تضع يدك على هذا الركن المبارك، فإنك تشارك في تجربة روحانية مررت بها أجيال من المؤمنين على مدى قرون طويلة. هذا الاتصال الروحي مع التاريخ الإسلامي العريق يضفي على التجربة عمقاً خاصاً.
لمس الركن اليماني يمثل اتباعاً دقيقاً لسنة النبي ﷺ، الذي واظب على هذا العمل في كل أشواط طوافه، هذا الاتباع ليس مجرد تقليد، بل هو طريقة للتقرب من الله باتباع أحب الخلق إليه.
المذهب الحنفي: يشير إلى أن الحكمة تكمن في تحقيق البركة والتطهر من الذنوب، وأن المسح باليد أولى من الإشارة لتحقيق هذه الحكمة.
المذهب المالكي: يؤكد أن الحكمة في الاستلام هي محو الذنوب وتحقيق القرب من الله تعالى.
المذهبان الشافعي والحنبلي: يجمعان على أن الحكمة تتمثل في اتباع السنة النبوية وتحقيق الأجر العظيم المترتب على هذا العمل.
الشيخ ابن باز رحمه الله أكد أن المسلم "يشرع له استلام الركن اليماني بيمينه إذا استطاع"، مع التأكيد على الحكمة الروحانية وراء هذا العمل.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أوضح أن الحكمة تكمن في اتباع هدي النبي ﷺ الذي لم يكبر عند الركن اليماني، مما يدل على خصوصية هذا الركن في الطقوس.
تبرع لمشروع إفطار ضيوف الرحمن الإثنين والخميس والأيام البيض
المعتمر يستلم الركن اليماني بيده اليمنى إن تيسر له ذلك، دون تقبيل أو تعظيم زائد، الحكمة من هذا العمل تتمثل في كونه من السنن المأثورة عن النبي ﷺ، وله أثر عظيم في محو الذنوب والتقرب من الله.
بحسب فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله، فإن لمس الركن اليماني مشروع، ويستحب عنده القول: "بسم الله والله أكبر" مرة واحدة في كل شوط من الطواف. وإذا تعذر الاستلام بسبب الزحام، يجوز المرور دون إشارة ولا حرج في ذلك.
جميع المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) اتفقت على أن الاستلام باليد مشروع، وإن لم يستحب التقبيل فيه كما يحدث مع الحجر الأسود، فهو من أعمال الطواف الشرعية المبنية على سنة النبي ﷺ.
الركن اليماني يحتوي على شق أو تعديل قديم يعود إلى إصلاحات تاريخية مرت بها الكعبة المشرفة عبر القرون، هذا التشقق له أسباب معمارية وتاريخية واضحة وليس له علاقة بأي معجزات أو رموز دينية.
خلال إعادة بناء الكعبة عام 1040 هـ في عهد السلطان مراد الرابع، انكسر حافة حجر الركن اليماني، فتُركت مكسورة وأُصلحت بالرصاص أو مواد تقليدية أخرى. كما أُعيد تركيب أجزاء من الحجر باستخدام مسامير ولصق أثناء فترات تاريخية مختلفة.
الكعبة المشرفة بُنيت منذ آلاف السنين، وتعرضت لرياح وأمطار وتعديلات وتوسعات عديدة، كل تعديل أو إصلاح يمكن أن يترك شقوقاً نتيجة تركيب الحجارة وإعادة الترميم، خاصة على الركن اليماني الذي بقي ظاهراً وغير مغطى بالكسوة.
أما الروايات الشعبية التي تربط التشقق بأحداث معينة، فقد رفضها علماء أهل السنة والجماعة وصُنفت كخرافات لا تستند إلى دليل شرعي معتبر.
لا يوجد حديث صحيح يثبت أن الدعاء عند الركن اليماني له خصوصية في الاستجابة أكثر من غيره من الأماكن، الله تعالى يستجيب الدعاء في أي وقت ومكان، بشرط الإخلاص في التوجه، وتجنب الإثم والقطيعة، والصبر وعدم الاستعجال.
كما أوضح موقع إسلام ويب: "ولم نقف على أن الدعاء عنده مستجاب خاصة". الثابت عن النبي ﷺ هو الدعاء بين الركنين (الحجر الأسود والركن اليماني) بقوله: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"، وهذا حديث صحيح رواه عبد الله بن السائب.
جميع المذاهب الفقهية الأربعة اتفقت على أن لمس الركن اليماني عمل مشروع وثابت عن النبي ﷺ، ويستحب الدعاء المأثور في كل شوط، لكنه ليس موضعاً مخصوصاً للاستجابة أكثر من غيره من الأماكن المباركة.
الشيخ ابن باز رحمه الله أفتى بأن المسلم يستلم الركن اليماني بيده ويقول: "بسم الله والله أكبر"، وليس هناك دعاء مخصوص عنده للاستجابة.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أكد أن الدعاء بين الركنين سنة مؤكدة، لكن لا دليل على خصوصية الركن اليماني في قبول الدعاء أكثر من غيره.
إدعم مشاريع جمعية ضيوف الرحمن لتنال الأجر المضاعف في أعظم البقاع.
اقرأ ايضا: تقصير الشعر في العمرة
